ما يحدث في أزمة صحيفة الدستور الخاصة يسيء إلى الصحفيين المصريين جميعا ، والحقيقة أني ترددت كثيرا قبل أن أكتب في الموضوع خشية إساءة فهم موقفنا ، باعتبار أننا سبق وانتقدنا الزميل إبراهيم عيسى على خلفية مواقف مهنية وسياسية خاطئة من وجهة نظرنا ، ولكن الأمور زادت عن الحد كثيرا في الأسبوع الأخير عندما دخل بعض أعضاء نقابة الصحفيين سوق المزايدة الرخيصة من أجل تقديم أنفسهم كأبطال مدافعين عن استقلال الصحافة وحرمة المهنة ، في حين أن مواقفهم تلك تمثل إساءة للصحافة وخطرا على مستقبلها وتفخيخا لعلاقة الصحفيين بمجالس إدارات الصحف ، كما أنهم يرسلون إشارات ـ خاصة ـ إلى أكثر من طرف بصورة ليست بعيدة عن الانتهازية ، حالة الدستور ليست حدثا طارئا أو استثنائيا في الحياة الصحفية المصرية منذ نشأتها ، أن يتم تغيير رئيس تحرير المطبوعة لأي سبب كان ، ولم تحدث من قبل مثل هذه الزوبعة المثيرة لتغيير شخص رئيس تحرير صحيفة كما يحدث بصورة مفتعلة هذه الأيام ، ولا يتصور من حيث المبدأ أن يكون رئيس تحرير الصحيفة ، أي صحيفة ، مهما علا ، رئيسا أبديا لها لا يجوز تغييره إلا "بمزاجه" ، ولا يترك منصبه إلا عندما يقرر سيادته المغادرة فقط لا غير ، وأن الصحيفة اختزلت في شخصه وأنه هو الصحيفة والصحيفة هو ، وأن لا وجود للصحيفة بدونه ، وأن الدنيا تنقلب رأسا على عقب إذا رغب مجلس إدارة الصحيفة في تغييره ، هذا عبث لا يمكن تصوره ، وحسنا فعل نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد وأغلبية أعضاء المجلس عندما قرروا النظر في ضمانات حقوق الصحفيين المهنية والمادية ، بغض النظر عن من يكون رئيس التحرير ، لأن هذه ليست قضية النقابة أبدا أن تختار رئيس تحرير المطبوعة أيا كانت خاصة أو قومية ، كما أن منصب رئيس التحرير لن يشغله ـ وفق القانون ـ في كل حال إلا صحفي عضو نقابي ، ولا يليق مصادرة حق أي زميل نقابي في أن يتولى رئاسة تحرير أي مطبوعة ، والزميل إبراهيم عيسى طوال السنوات الماضية وهو صاحب مكان ووظيفة دائم على قنوات وصحف كبار رجال الأعمال من أصدقاء السلطة وحوارييها ، وبالتالي فمحاولة تصوير إبعاده من الصحيفة على أنها مؤامرة على مصر ومستقبلها السياسي تهريج حقيقي ، وهناك انتقادات كثيرة سبق ووجهت إلى إبراهيم من داخل صحيفة الدستور نفسها لرفضه نشر وقائع فساد قدمها صحفيون بالمستندات ، وهناك ملفات فساد عديدة وبالوثائق أعدها زملاء في "الدستور" وقدموها إلى الزميل إبراهيم عيسى فرفض نشرها لأسباب يعلمها هو ، واضطر الزملاء إلى الذهاب إلى صحف أخرى من أجل نشر تلك الوقائع ، ومنهم من اتصل بنا في المصريون وقمنا بنشر بعض هذه الوقائع ، بعد تأكدنا من دقة مصادرها وصحة مستنداتها ، كما أن عيسى يحتفظ بعلاقات وثيقة مع أقطاب نافذة في الحزب الوطني يمثلون له مظلة حماية ودعم ضد أجنحة أخرى في السلطة ، وأي قاريء يستطيع بسهولة أن يكتشف اختفاء أي نقد جاد لاسم "صفوت الشريف" ـ على سبيل المثال ـ من صحيفة الدستور طوال رئاسة ابراهيم عيسى لها ، فلا داعي للحديث عن مؤامرة السلطة ، لأن السلطة في بلادنا سلطات في الحقيقة وأجنحة ، وكونك تهاجم وتنتقد جناحا فيها لا يغفر لك أنك تعمل في ظل جناح آخر في السلطة ذاتها ، والصحفي الذي يعمل سنوات موظفا في "حدائق" الملياردير أحمد بهجت والملياردير نجيب ساويرس يصعب أن يقنعنا بحكاية النضال ضد تغول السلطة ، والذين اكتشفوا أن الدكتور سيد البدوي رئيس حزب الوفد مقرب من السلطة هل كانوا يعتقدون أن أحمد بهجت أو ساويرس من المناضلين ضد الحزب الوطني ، كفانا تهريجا أيها الأفاضل ، وبعيدا عن هذه التفاصيل كلها ، فإني أدعو الزملاء في الدستور إلى الحفاظ على استمرارية الصحيفة كمؤسسة والعمل على تطويرها مهنيا ، ووضع مسافة كافية بينهم وبين المجموعة الصغيرة زاعقة الصوت من حاشية رئيس التحرير السابق ، وأدعو الزملاء في نقابة الصحفيين لدعم مصالح صحفيي الدستور المادية والأدبية في ظل الإدارة الجديدة ، والحقيقة أن الجدل المصاحب لتغيير رئيس تحرير صحيفة الدستور يعود في بعض جوانبه إلى أخطاء جوهرية في قانون الصحافة الحالي ، الذي يعقد عملية إصدار الصحف وتمويلها ، والذي يحرم كثيرا من القوى الحية من حقهم في الحصول على ترخيص إصدار صحف أو مجلات تعبر عن رؤاهم وقضاياهم ، ولا أضيف جديدا للقارئ أننا في صحيفة المصريون حاولنا مرارا الحصول على ترخيص بالإصدار الورقي بدون فائدة ، لسبب وحيد ، وهو أننا لا نعمل تحت جناح أحد .
جمال سلطان
عن "المصريون"